تواصل ميليشيات متنفذة في محافظة البصرة، أقصى جنوب العراق، سطوها على عقارات ودور المسيحيين، ممن هم خارج البلاد، عبر تزوير عقود سنداتهم او الضغط عليهم لأجل بيع أملاكهم بأسعار زهيدة، في وقت تشهد المحافظة تناقصاً في أعداد المسيحيين فيها.
ويعود تاريخ وجود المسيحيين في مدن جنوب العراق إلى منتصف القرن الثاني الميلادي، حسبما تشير إليه المصادر التاريخية.
وتراجعت أعداد المسيحيين في البصرة بشكل كبير منذ احتلال العراق سنة 2003 وما رافقه من انفلات أمني، مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة، سواء الى محافظات شمال العراق أو سهل نينوى أو الى خارج البلاد.
وقال رئيس لجنة الوقف المسيحي للمنطقة الجنوبية وائل يعقوب “هناك العديد من بيوت المسيحيين في محافظة البصرة، ممن يتواجد أصحابها خارج البلاد منذ السبعينيات أو الثمانينيات، جرت عليهم ضغوطات من متنفذين وضعاف النفوس، من أجل بيع عقاراتهم بأسعار زهيدة، او تم تزوير عقود لبيع بيوتهم”.
وأوضح وائل يعقوب أن “هذه البيوت والاراضي الزراعية تنتشر في وسط واطراف البصرة، وهي مسجلة بأسماء أصحابها الحقيقيين ممن هم خارج العراق”، مبيناً أن “اصحابها يقولون إنهم ليسوا مجبورين على مواجهة الخطورة من أجل هذه البيوت، علماً أن عقاراتهم تقدر بمبالغ كبيرة لكنها تباع بأسعار بخسة بسبب الضغوط التي مورست عليهم”.
ورأى رئيس لجنة الوقف المسيحي للمنطقة الجنوبية أن “المشكلة تكمن في عدم وجود من ينوب عن أصحاب العقارات، لذا ينبغي عليهم ان يقوموا بتوكيل محامين للدفاع عن هذه العقارات”، مؤكداً أنه “ليس من حق الكنيسة التدخل، على اعتبار أن مهامها محصورة بإدارة شؤون الرعية الدينية”.
ولفت إلى أن “البعض منهم اتصلوا بالكنيسة، والتي بدورها تحولها إلى لجنة الوقف المسيحي التي تحاول الوصول إلى حلول بالتراضي”، مؤكداً أنه “كحق شخصي ليس من حقنا التدخل بهذا الشأن، لأننا لا نملك التوكيل”.
المسيحيون يخافون البوح بتزوير عقاراتهم
واشار رئيس لجنة الوقف المسيحي للمنطقة الجنوبية إلى أنه “يتم تزوير عقود البيع او الاستيلاء على هذه العقارات، لكن الناس لا تستطيع البوح بذلك”، منوهاً إلى ضرورة “توعية هؤلاء الناس بمنح الوكالات إلى أشخاص مؤتمنين، سواء محامين أو رجال دين في الكنائس، للقيام بدورهم في الدفاع عن حقوقهم”.
أربع كنائس فقط فعالة في البصرة
أما بخصوص عدد الكنائس في محافظة البصرة، قال رئيس لجنة الوقف المسيحي للمنطقة الجنوبية إن “عدد الكنائس والكاتدرائيات الفعالة والمستخدمة في البصرة هي اربعة، بينما يبلغ عدد غير المستخدمة ثمانية”.
وتوجد في البصرة عدة كنائس، وهي كنيسة مار أفرام للكلدان الكاثوليك في البصرة، وكنيسة القديسة تيريزا اللاتين، وكنيسة القلب الأقدس السريان الكاثوليك، ودير راهبات التقدمة للاتين في حي مناوي باشا، وكنيسة مريم العذراء للسريان الأرثوذكس، وكنيسة الأرمن الأرثوذكس، وكنيسة الصخرة الرسولية في العشار، والكنيسة الإنجيلية المشيخية، وكنيسة السريان الكاثوليك في العشار، وكنيسة سيدة البشارة في الطويسة، وكنيسة مارتوما في البصرة القديمة، وكاتدرائية مريم العذراء المحبول بها بلا دنس، وكنيسة مريم العذراء الشرقية للاثوريين، وكنيسة الآثوريين، ودير راهبات الكلدان.
الهجرة إلى شمال العراق
وبشأن عدد المسيحيين في البصرة، أوضح يعقوب أنه “كان سابقاً يبلغ نحو خمسة آلاف شخص، لكن عددهم الان انخفض إلى نحو 500-600 شخص فقط، علماً أن 80% منهم يتركزون في مركز مدينة البصرة”.
ولفت الى ان “العديد منهم يفكرون بترك البصرة والهجرة، سواء الى محافظات شمال العراق أو إلى الخارج، بسبب غياب فرص العمل، والضغوط التي تمارس على البعض منهم ممن يملكون عقارات”، مردفاً أن “الموظفين الذين يحالون على التعاقد منهم، يغادرون بعد بيع بيوتهم”.
وتناقصت أعداد المسيحيين العراقيين بشكل أكثر تسارعاً بعد احتلال العراق سنة 2003، حيث هاجر نحو مليون مسيحي منذ ذلك الحين، ولم يبق منهم إلا نحو 300 ألف معظمهم نزحوا إلى إقليم كردستان العراق، نتيجة الاستهداف المستمر لكنائسهم وأديرتهم المنتشرة في عموم العراق، جراء مظاهر الحرب الطائفية التي اندلعت في سنة 2006 إبان حكم رئيس سلطة المنطقة الخضراء إبراهيم الجعفري، وبعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، فكانوا الحلقة الأضعف في المجتمع.
وشهدت الأحياء السكنية ذات الغالبية المسيحية، وخاصة في بغداد، هجمات ميليشياوية عديدة ادت إلى ترويع سكانها بشكل متعمد.
وتجمع الطبقة المثقفة في العراق على أن المسيحيين هم ملح الأرض العراقية الذين استوطنوا البلد قبل أكثر من 200 عام، وكانوا بناة الوطن العراقي وعنواناً بارزاً في مسيرته، بينما غيابهم يهدد السلم المجتمعي ويفقد العراق نكهته.